بروفايل| قصر البارون.. البناء الذي لا تغيب عنه الشمس

شامخ مهيب ذو تصميم فريد، في واجهته تماثيل أسطورية، لا تغيب عنه الشمس طوال النهار بقلب مصر الجديدة، لا تستطيع العين تجاوزه، تحيطه مبان حديثة تبدو للوهلة الأولى ضئيلة بالنسبة له، مميز بينها بسوره العالي وحديقته الضخمة التي تعاني من إهمال شديد، ونوافذه المحطمة جزئيًا، والطابع الأوروبي الذي يتخلله، يجذب مرآه الجميع لدخوله ومعرفة تفاصيل "قصر البارون إدوارد إمبان"، مؤسس مصر الجديدة.

القصر عبارة عن تحفة معمارية فريدة من نوعها يعود عمرها لآلاف السنين، قابعًا في مكانه بشموخ وكبرياء، يُطل على شوارع، العروبة، وابن بطوطة، وابن جبير، وحسن صادق، من جهاته الأربعة، وعلى الرغم من حالة الإهمال الشديدة التي يعاني منها القصر، من حديقته التي أصبحت مأوى لحيوانات الشوارع، وتماثيله التي لفها التراب، ونوافذه المحطمة جزئيًا، فإنه مازال صامدالعقود، حاملا ملامح الهيبة والرعب، لما أثير حوله من أقاويل وحوادث.

حارس واحد فقط يقيم على حماية القصر الضخم، ويمنع دخول الفضوليين، إضافة إلى عدد من حراس المباني المجاورة له، لكن تحت ضغط "الإكرامية" يمكن أن يتجاوز عن زيارة بعض الشباب للقصر في مدة لا تزيد عن ساعة، عبر القفز من أقصر سور للقصر في شارع ابن بطوطة، للتعرف على البناء الأثري من داخله ورؤية مقتنيات البارون، لكنهم يكتشفون أنه فارغ تمامًا من الداخل سوى من التماثيل المخيفة الضخمة، وبعض الكتابات على الجدران، وتهتك الآخر منها نتيجة الإهمال لسنوات طويلة.

في حين، أن القصر يعتبر قبلة الكثير من الأعمال الفنية، حيث تم تصوير عدد من المشاهد داخله، كانت بدايتها عندما دخله حسين فهمي والمطربة شادية لتصوير فيلم "الهارب"، ثم أغنية لمحمد الحلو، وأخرها لفيلم "آسف على الإزعاج" لأحمد حلمي ومنة شلبي، كما أقامت به شركة "فيليبس" الشهر الماضي حفلًا حضره وزير الثقافة، بعد تغيير نظام الإضاءة له.

قصر البارون "إمبان" بلجيكي الأصل، الذي جاء إلى مصر عقب افتتاح قناة السويس، وقرر أن ينشئ بها "مدينة الشمس" أو "هليوبوليس" لشدة حبه وولعه بها، بعد أن اختار مكانها بعناية شديدة في الصحراء الغربية، في نهاية القرن التاسع عشر، وجعل لنفسه به مكانًا مخصصًا شيده بعناية واهتمام خاص شديد الجاذبية، ما دفع السلطان حسين كامل للاستيلاء عليه، لكن البارون رفض، لكونه الوحيد في العالم الذي لا تغيب عنه الشمس طوال النهار، حيث تم تشييد برجه على قاعدة خرسانية على "رولمان بلي" تدير القصر بمن فيه ليرى الواقف في شرفته كل ما يدور حوله وهو في مكانه، كما أن الشمس لا تغيب عنه.

صمم القصر "ألكسندر مارسيل" الفنان الفرنسي، حيث كان تصميمه شديد الجاذبية للبارون وخليطا رائعا بين فن العمارة الأوروبي وفن العمارة الهندي، مكون من طابقين وملحق صغير بالقرب منه تعلوه قبة كبيرة، وعلى جدرانه تماثيل مرمرية رائعة لراقصات من الهند وأفيال لرفع النوافذ المرصعة بقطع صغيرة من الزجاج البلجيكي، وفرسان يحملون السيوف، وحيوانات أسطورية متكئة على جدرن القصر، والغرفة الوردية بالبدروم، والتي تفتح أبوابها على مدخل السرداب الطويل الممتد لكنيسة البازيليك التي دُفن فيها البارون بعد موته.

وبسبب إغلاقه المستمر، نسج الناس حوله الكثير من القصص الخيالية، ومنها أنه صار مأوى للشياطين ما دفع ورثته وزوجته وابنته لبيعه عام 1955 إلى مستثمرين، أحدهما سوري والآخر سعودي، بمبلغ سبعة آلاف جنيه، ولقد تمت محاولات عديدة لهدم القصر لتحويله إلى فندق عالمي.

انتشرت الأقاويل بأن "قصر البارون" هو بيت حقيقي للرعب، تصدر منه أصوات نقل أساس القصر بين حجراته المختلفة في منتصف الليل، والأضواء التي تضيء فجأة في الساحة الخلفية للقصر وتنطفئ فجأة أيضًا، ما دفع جماعات من الشبان المصريين في منتصف عام 1997 إلى التسلل إلى القصر ليلًا، في حادثة شهيرة، وإقامة حفلات صاخبة، إذ كانوا يرقصون ويغنون على أنغام موسيقى "البلاك ميتال" الصاخبة، وألقت الشرطة المصرية القبض عليهم لتكون أول قضية من نوعها، وهي ما عرفت بقضية "عبدة الشيطان"، وهذا هو سبب الأساطير التي ترددت من قبل الجيران حول ما شاهدوه من أضواء ساطعة، وصخب وضجيج.