فى حله وترحاله يحمل مصر، الوطن الأم، بين وجدانه.. يعلنها للقاصى وللدانى: «بلادنا محفوظة فى يد الله». لم تسقط مصر من قلبه ولا لسانه فى كل رحلاته من المشرق إلى المغرب، التى أجراها على مدار العامين الماضيين، منذ أن تولى مسئولية الكنيسة الأرثوذكسية، ووصل إلى سدة كرسى مارمرقس الرسولى، مؤكداً أن «المحبة لا تسقط أبداً».
من طمى النيل تشكلت ملامح البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، وتفتحت مداركه بالقراءة فى تاريخ مصر، إلى أن ترك الدنيا يوم أن ترهبن، وخلع عن جسده زينتها وزخرفها، ولكن لم يستطع أن ينزع الوطن من قلبه ووجدانه، صلَّى للمسيح فى قلايته، ولم ينس نصيب مصر من صلاته، وحينما ترك أسوار الدير، وأمسك بعصا الرعاية، وضع الوطن قبل الكنيسة فى قلبه وعقله، وأعلنها: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن». فى الثامن عشر من نوفمبر عام 2012، وحينما بلغ الستين من عمره، ألقيت على عاتقه أحمال الكنيسة وأثقالها، ففاضت عيناه بالدمع من ثقل المهمة، وقاد الكنيسة فى فترة عصيبة من عمر الوطن، بمجاديف المحبة وعدم التفريط فى حقوق الأقباط، حتى رست سفينته إلى شواطئ الشعب فانضم منحازاً مع طوائفه المختلفة إلى ثورة الثلاثين من يونيو، مشاركاً فى بيان عزل «الإخوان» عن الحكم، لتبدأ بعد ذلك فترة أشد قسوة على الكنيسة والأقباط بل الوطن بأسره مما مرَّ به طوال تاريخه المديد.
هدمت مئات الكنائس والمنشآت الكنسية، وشرد الأقباط ونكِّل بهم وقتلوا، عقاباً من جماعات الظلام على انحياز الأقباط للوطن، فخرج الخليفة الـ118، لمارمرقس الرسولى، يعلنها من جديد: «إنه ثمن الحرية نقدمه عن طيب خاطر لبلادنا»، وحينما تغلغل الإرهاب وانفجرت براكين العنف فى شوارع مصر، قالها مجدداً فى رحلاته للعالمين: «هذا العنف غريب عن المصريين وقادم من الخارج، المصريون يتميزون بالوسطية والاعتدال، والأقباط يعيشون فى محبة طوال 14 قرناً من الزمن مع إخوتهم المسلمين».
تحولت زياراته الرعوية للخارج إلى زيارات سياسية، يطالب فيها القادة والحكام والسياسيين وشعوب العالم بدعم مصر، لا يطلب شيئاً يخص كنيسته ورعاياه من الأقباط، بمقدار أن يصحح المفاهيم المغلوطة عن ثورة الثلاثين من يونيو، ويؤكد على شرعيتها وأنها ليست انقلاباً عسكرياً، كما يصورها البعض لهم، ويرسم فى وجدانهم صورة حقيقية عن المحبة التى تسود بين المصريين بالواقع وليس بالشعارات.
أخذ «تواضروس» على عاتقه طوال رحلاته الخارجية التى بلغت العشر، بزيارته الحالية إلى روسيا، منذ أن صار لقبه «البابا»، يبشر بمصر الجديدة التى تبنى نهضتها على يد «السيسى» ورجاله فى الدولة، ومحدثهم عن مشروعاتها العملاقة، وعهدها الجديد بدستور ورئيس وبرلمان، مشيراً إلى أن إرادة المصريين ستنتصر مهما كادوا لها، داعياً كل من يقابله لزيارة مصر الحبيبة، والتبرك بمقدساتها.