لا أجد مبرراً لـ«زعل» بعض شباب حركة تمرد وغضب بعض الشباب من «نسبة» شرف الموجة الثانية من ثورة يناير (30 يونيو) إلى «تمرد» فى كتاب تاريخ الصف السادس الابتدائى. لا داعى لأن «يزعل» طرف و«يغضب» آخر، ولا أطلب من الطرفين لكى يفهما مغزى ما أقول سوى الرجوع قليلاً للماضى القريب أو الانتظار بعض الشىء حتى يمر عام من الآن. فالناظر إلى الماضى القريب سوف يجد أن العامين الماضيين شهداً حديثاً مختلفاً كل الاختلاف داخل كتب التاريخ المدرسية عن كل من شباب ثورة يناير، وجماعة الإخوان، وكانت عبارات المديح وآيات التمجيد توزع بالمجان على كل طرف منهما، وعبارات «التلطيش» فى الرئيس المخلوع ونظامه وحزبه الوطنى «على ودنه».
هذا فيما يتعلق بالماضى، أما بالنسبة للمستقبل فقد يأتى العام المقبل بنبأ جديد تشتمل عليه كتب التاريخ، ربما اختفت تماماً موضوعات الإنشاء التى تتسكع داخل كتب التاريخ هذا العام حول حركة تمرد أو «نُذُر الثورة»، كما سماها مؤلفو كتاب سادسة ابتدائى، وقد تختفى أيضاً صور رموز الحركة. يا عالِم ماذا يمكن أن يحدث العام المقبل؟! فثمة مشروعات قومية كبرى عديدة يقودها الرئيس عبدالفتاح السيسى حالياً، من بينها مشروع حفر قناة السويس الجديدة، ومشروع استصلاح مليون فدان، ومشروع شق 3200 كم طرق، والسقف الزمنى لإنجاز هذه المشروعات هو مدة العام. وإذا وفق الله القائمين على هذه المشروعات لتحقيق ما وعدوا به فإن أموراً كثيرة سوف تتغير، وأشياء أكثر سوف تختلف، من بينها كتب التاريخ. ربما اختفت تمرد وصور أصحابها من الكتب وحل محلها آخرون، ربما اشتملت الكتب أيضاً على العديد من الأحاديث عن القائد المحرر الذى استطاع أن ينقذ البلاد من الحرب الأهلية التى سعى الإخوان إلى إيقاع المصريين فيها، ثم حمل على عاتقه عبء الانطلاق بمصر على طريق النهضة والتقدم.
كل شىء وارد، والقاعدة تقول إن التاريخ يكتبه المنتصرون. وهى قاعدة إنسانية لا خلاف عليها، بل وتكاد ترقى أيضاً إلى مصاف القواعد العلمية. على سبيل المثال تاريخ أسرة محمد على قبل ثورة يوليو 1952 تم معالجته بطريقة تنتصر لملوك الأسرة وسلاطينها، وتصفهم بصنّاع مصر الحديثة بدءاً من الجد الأكبر وحتى زمن الأحفاد، وقد اختلف الأمر تماماً بعد عام 1952، إذ تولى كُتّاب التاريخ الجدد إلصاق كل نقيصة، صحيحة كانت أو باطلة، بحكام الأسرة العلوية، وأكدوا أنهم كانوا السبب فى ضياع فلسطين، وإهدار حقوق العمال والفلاحين، واستعمار مصر والمصريين، وغير ذلك من أمور كنا نحفظها عن ظهر قلب، وبدأ الحديث عن جمال عبدالناصر رحمه الله بانى نهضة مصر وزعيم القومية العربية ومذل الأمريكان وغير ذلك. رحل الزعيم وتولى الحكم الرئيس «السادات» رحمه الله، فاختلف أمر التاريخ من زوايا عديدة، وأصبحت مصر تنتمى بكل ما فيها إلى بطل الحرب والسلام وصاحب قرار العبور بمصر نحو المستقبل، ولما ذهب «السادات» وجاء «مبارك» اختلف الأمر، وأصبح الحديث عن صاحب الضربة الجوية وبانى الدولة العصرية.. وسلم لى ع التاريخ!