جدل عريض أثير حول الفيديو الذى أظهر بعض الأكراد يرددون كلمة «سى سى»، والذى سارعت إلى نشره وبثه مجموعة من الصحف والقنوات والمواقع، فى الوقت الذى تساءل فيه آخرون عما كان الأكراد يهتفون باسم «السيسى» أم أن الكلمة تعنى: «أخى.. أخى لمَ تقتلنى؟». الأغلبية المؤمنة برئيس الدولة والمحبة له والمدافعة عنه تبنّت التأويل الذى يذهب إلى أن الفيديو اشتمل على هتاف لـ«السيسى»، فى حين كان المناوئون له الأسرع إلى نشر الخدعة وتصحيح الترجمة. والحقيقة أن أداء الفريقين ينضح بالركاكة، ويكاد ينضح من بئر واحدة آسنة الماء!
فمن فرحوا بالفيديو وأخذوا يطنطنون بأن الأكراد يهتفون باسم «السيسى» مكايدة لـ«أردوغان»، هم من ذلك الصنف البشرى «المغشوش» الذى لا يجيد فى الحياة سوى الغناء أو العواء، فهو يغنى حين تواتى الأحداث وتخدم أفكاره ورؤيته فى الدفاع عن الرجل، وهو «يعوى» ضد من يظن أنه يحاول النيل منه، فتجد أفراد هذا الفريق يلعنون أمريكا ومن وراء أمريكا إذا صدر عن أى مسئول فى إدارتها ما يؤشر إلى عدم الرضاء عن الحكم، وفى الوقت نفسه لا يتلكأون عن نصب الموالد لأى تصريح يمتدح أداء السلطة، أو يدعم مواقفها، أو يبشر بعودة إحدى أعطياتها! وأظن -والله أعلم- أن «السيسى» لن يضيف إليه أن يهتف أكراد تركيا باسمه، ولن يخصم منه أن يهتف بعض الأتراك باسم «رابعة». أمر واحد هو الذى يضيف إلى «الرئاسة» يتمثل ببساطة فى «الإصلاح»، وأمر واحد يخصم منها هو السكوت على الفساد وتردى الأوضاع. وفى تقديرى أن الرئيس يستوعب أن أغلب من يطبلون ويرقصون له على كل الأنغام، بما فيها النغم «الكردى» سبق ونصبوا السيرك نفسه للرئيس الأسبق حسنى مبارك، ولم يغنوا عنه شيئاً حين ثار الناس ضده.
تعال فى المقابل إلى الفريق الثانى الذى أخذ يروّج للخطأ الذى وقعت فيها بعض وسائل الإعلام حين فرحت بهذا الفيديو، ظناً منها أنه هتاف لـ«السيسى»، فى حين لم يكن الأمر أكثر من مغازلة لفكرة الأخوة بين جزء من الشعب التركى وشرطته حتى يرحموهم من الضرب والقتل. وأغلب هؤلاء من الصنف «المهبوش»، المهبوش تحديداً فى عقله، فتفكيرهم لا يقل سماجة عن تفكير «الأنصار». فاكتشاف ما حدث لا يشكل نصراً، بل جزءاً من الخيبة الكبرى التى يعانى منها فريق المناوئين من جماعة الإخوان. فلو أنعشوا ذاكرتهم قليلاً سيجدون أنهم كانوا يبحثون عن الشاردة والواردة التى تأتى من هنا أو من هناك لتشير إلى عظمة الجماعة وبراعة الرئيس! تماماً مثلما يفعل الآن الصنف «المغشوش» الذى يظن أنه يجامل الرئيس، ربما غمرهم نوع من السعادة بسبب إحساسهم أن غيرهم ما زال يؤدى بالطريقة الفاشلة نفسها التى كانوا يعملون بها وأدت إلى ثورة الشعب ضدهم، لكن مطلوب منهم أن يفهموا وهم يتابعون هذه المشاهد أن يفهموا أن هذا الشعب نفضهم من رأسه تماماً، ولم يعد لهم أى مساحة فى عقله أو فى وجدانه، بعد أن كشفوا عن وجههم «الفاشل» فى الحكم، و«الفاشى» حين خرجوا من الحكم. ماضى «المهابيش» لن يعود.. وأداء «المغاشيش» ليس له مستقبل!